( هذه القصة حدثت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الشهيد السيد مجتبى صالحي ، و قد عرضت على خبراء خطوط فأكدوا أن صاحب الإمضاء هو الشهيد صالحي ، و صدق على صحة الحادثة آية الله أبو القاسم خزعلي و هي محفوظة في متحف الشهداء )
كانت تسير على الرصيف بتمهل مطرقة الرأس شادرة الذهن ، و صدى صوت استاذها يطرق مسامعها : " يجب أن يوقع ولي الامر عى ورقة " برنامج الامتحان .. تمنت لو أن الهواء المتطاير يحمل تلك الورقة و يسافر بها بعيداً .. ربما إلى حيث والدها الشهيد الذي تخيلت لو أنها تجده الآن في المنزل ، لركضت إليه مرتمية في حضنه ، معانقة إياه بحنان ، و لكانت أخبرته بحالها ، و جلبت له القلم الأزرق ليمهر إمضاءه عليها ..
لكنها تدري انها عندما تصل إلى البيت و تعبر العتبة ، سترمق صورة والدها معلقة غلى الحائط ، و على طرفها إشارة سوداء و علم الجمهورية ..
لكن ماذا ستفعل ؟ سالت زهراء صالحي نفسها ؟ لقد جرح الأستاذ قلبها عندما أصر أن يوقع ولي الامر على بطاقتها ، حاول أن تقول له أن والدها استشهد منذ شهر على الجبهة ، لكن الكلمات خذلتها ، و بسط السكوت دهشته على شفتيها الصغيرتين .. هل هي يا ترى تتوقع أن يعود أباها في أية لحظة ! من الصعب جداً أن يستسلم المرء لواقع الموت بسهولة ، و يبقى وهم اللقاء عصفوراً يرفرف فوق الأفئدة المشتاقة ..
لم تكن زهراء صالحي البالغة من العمر حوالي السبع سنوات ، تستطيع أن تفلسف الشهيدة و تمنطقها ، و لكن فؤادها الصغير كان يردد بداخلها أن الشهداء عند الله في الجنة ، و يسمعون همس الأطفال ، أو ليس الأطفال ملائكة تطير بأجنحة الطهر إلى حيث تشاء بخيالها و أحلامها ..
هاقد وصلت إلى البيت ، مسحت دمعاتها و عبأت رئتيها الصغيرتين بهواء سرعان ما خرج تنهيدة طويلة رسمت أمامها خيارها الوحيد بالدخول إلى منزل ما عاد يجدي فيه عد الأيام و شطبها من المفكرة انتظاراً لعودة والدها من الجبهة ليزرع الضحكات عى شفتيها ..
دخلت المنزل ساكتة حيرى اللب .. حاولت أن تحافظ على رباطة جأشها ، كي لا يمتد حزنها إلى وجه أمها و كانت أحدى زوايا البيت ملاذها الوحيد ، فهي تجلس وحيدة مقابل صورة أبيها ، تحدثه عما يختلج في نفسها ،و تبكي ..
كثيراً ما كانت تبكي زهراء على فقدان والدها .. و كثيراً ما كانت تقف على ناصية الشارع تنتظر أية سيارة أجرى قد تقف لينزل منها والدها ، فتركض إليه مشتاقة مهنئة إياه بالسلامة ، و للتتعلق بساعده متهادية فرحة .. لكنها دوما كانت تعود وحدها ، متلفتة عدة مرات عند سماعها أي خطوة خلفها ..
حاولت والدتها أن تخفف عنها بأحادث مختلفة ، و بمتابعتها لدروسها ، لكن زهراء كانت تتخبط بين وجه الأستاذ ووجه أبيها و برنامج الامتحان ، و كلما همت بإخبار والدتها عن أمر البرنامج ، تجد نفسها تخبرها بمواضيع أخرى لا تمت إلى الامتحان بصلة ..
خيم الليل على وجهها الملائكي ، و غفت عينهاها على دموع الحنين إلى اللقاء و إلى جانب سريرها بطاقة برنامج الامتحان، خالية خانة ملاحظاتها من " إمضاء ولي الأمر " ..
و حملها النوم على صهوة الحلم ، كانت تبكي وحدها و تحمل برنامج الامتحان ، فامتدت يد على كتفها تربت عليها ، و جاءها صوت حلق قلبها لسماعه فرحاً :
- ما بك يا حبيبتي ، ما الذي يبكيك ؟
استدارت زهراء ، فرأت والدها ارتمت في حضنه ، شاكية " لقد طلب إلي الاستاذ أن توقع بطاقة برنامج الامتحان ، و لم استطع ان أخبره بأنك استشهدت .. "
فمسح السيد مجتبى على رأس ابنته برأفة و حنو : أين هي بطاقة الامتحان ، هاتِها لأوقعها لك ..
فسارعت زهراء بالبحث عن قلم أزرق ، فكانت كلما اختارت قلماً وجدته قلماً أخضر اللون ، فأعطته للشهيد " العائد " ليوقع اسمه و لتهدأ نفسها المضطربة من الصباح ..
استيقظت زهراء في الصباح الباكر و كان الحلم الجميل برؤية والدها يدغدغ احساسها بالسكينة .. هيأت نفسها للذهاب إلى المدرسة ، و كادت أن تنسة بطاقة الامتحان ، لكنها اقتربت من سريرها و حملتها ، قرأت في خانة الملاحظات جملة مكتوبة بالأحمر : " أنا ولي أمر التلميذة السيد مجتبى صالحي " و إلى جانبها إمضاءه ..
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَ لَا تَحْسَبنَّ الَّذِينُ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَل أَحْيَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونْ )
صدق الله العظيم