مهما أضيف إلى معركة كربلاء من تحاليل الموقف الإسلامي الصحيح الذي انتهجه فيها الإمام الحسين (عليه السلام) لكن سهم الحركة السياسية التي طبعت بها تلك الحركة هي الجاعلة الهدف السياسي فيها يسير على أحد طرفي سكة طريق تلك الحركة الواضحة بما كان يحمله كل طرف محارب من مبادئ.
والإحساس بهول ما حدث في كربلاء هو الذي جعل حركة الإمام الحسين (عليه السلام) استثنائية من ناحية التضامن الاستثنائي معها منها أن أكثر من 1300 سنة تمر وكأن ما وقع في كربلاء قد وقع منذ أيام معدودة فقط والدراسات التحليلية لمعركة كربلاء على كثرتها ما تزال بحاجة ماسة إلى إجراء دراسات مقارنة فيما بينها كـ(حدث) وما وقع لغيرها من الحركات في مراحل التاريخ اللاحقة.
فالمعركة لم تكن معركة عادية ففيها الكثير من التحدي لزهاء 70 مؤمناً إسلامياً ضد جيش وحشي قوامه أكثر من (30 ألف) كافر اشتروا دنياهم وتناسوا آخرتهم.. ولعل من غرائب الأمور أن المعركة التي انتهت بالانتصار المادي بجيش عبيد الله بن زياد بن أبيه في نزال غير متكافئ لم يكتف هؤلاء المنتصرون بنصرهم جراء قتل كل رجالات معسكر الحسين (عليه السلام) بل عملوا على اقتراف جريمة أبشع حين قطعوا رؤوس الأموات ووضعوها على الرماح وساروا بها من أرض كربلاء إلى مدينة الكوفة ثم ذهبوا بها إلى بلاد الشام ليقدموها هدية لكافرهم الأكبر الخليفة النزق يزيد بن معاوية (لعائن الله عليه) كيف يخيف بتلك الرؤوس كل من يفكر بإزاحته عن سلطة أبيه التي جاءته بصورة لا مشروعة.
وهكذا فبقدر ما كان الإحساس السياسي بالمسؤولية واجباً أظهره معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) حماية لجوهر دين الإسلام فإنه كان إحساساً سياسياً إيجابياً لأنه انطلق في موقع التكليف المطلوب لحماية الدين وعلى عكس الجانب الآخر في معسكر ابن زياد الكافر. والسؤال الذي يفرض نفسه أمام كل باحث هو لماذا رضي أفراد معسكر الحسين (عليه السلام) بأداء الشهادة بوقت كان بإمكان أي منهم أن ينجو بنفسه بعد أن طلب منهم ذلك الإمام الحسين (عليه السلام) بذاته؟
وأكيد فإن في الإجابة ما يدع التفكير متجهاً نحو المبدئية العالية التي أمتاز بها أفراد معسكر الإسلام معسكر الحسين (عليه السلام) وأن الأخذ بهذه الحقيقة التي أراد بها الحسين (عليه السلام) الإصلاح في أمة جده النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي التي طغت على أي غاية نبيلة أخرى أبتغى تحقيقها سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام الحسين.
إن معركة كربلاء لم تقتصر في آخر مداها على الدفاع عن الدين فقط بل نبهت أن الحركة السياسية الدينية النقية تحتاج إلى وقفات تضحية من أجل أن يكون الإسلام هو رائد الحياة على الأرض.