المتتبع للخطوات التي أتخذها الإمام الحسين (عليه السلام) منذ مغادرته مدينة جده النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة المكرمة وحتى استشهاده في العاشر من شهر محرم سنة واحد وستين هجرية يلاحظ أن محور تلك الخطوات كان دفاعياً وحركته منذ البداية لم تكن تستهدف أكثر من دفع الشر عنه وعن أهله وأصحابه وعن الإسلام الصحيح.
ولعل هذا هو السبب الأول الذي جعل التأثير التدريجي في النفوس يأخذ مداه في الإعجاب بشخصية الحسين (عليه السلام) الذي فضل الموت البشع على الحياة الهانئة لو كان قد بايع يزيد الخليفة الجديد الذي ورث الخلافة من أبيه معاوية خلافاً لمبادئ الإسلام إذ طبق معاوية موضوع التوريث على هدى الملوك الفاسقين والأباطرة الأوباش وأكيد فإن قلوب الجماهير الإسلامية المؤمنة قد تلقت صعود نجم يزيد الفاسق إلى رأس السلطة لا لمؤهل لديه سوى أن أبيه كان معاوية بن أبي سفيان الذي اغتصب الخلافة الإسلامية بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام).
من هنا فإن قصة الخلاف الأموي مع أهل البيت (عليهم السلام) الذي أمتد من زمن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث وقف الجد أبو سفيان بكل عنجهية ضد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم جاء دور الأب معاوية ليقف هو الآخر في محاربة الإمام علي (عليه السلام) حتى جاء دور الابن العاق يزيد ليحارب الإمام الحسين (عليه السلام) حيث يظهر من هذه القصة على وضوح فصولها أن الجهل الأموي كان متأصلاً في نفوسها من جيل إلى جيل أما عن موضوع أسلمة هؤلاء الثلاثة: (أبو سفيان ومعاوية ويزيد) فلم يكن إلا أكذوبة لم يصدقها إلا جاهل بالأمور أو انتهازي مهزوز الإيمان أو مرتزق كافر عدو للإسلام.
ففي المجاهرة بعدم مبايعة يزيد كان الأمر يعين أن في ذاك بياناً للناس كي ينتبهوا إلى ما ستؤول إليه أمورهم الحياتية وأمور دينهم الإسلامي من تردي على عهد يزيد إذ ما بويع لكن الرأي العام آنذاك كان دون المستوى الممكن أن يرتفع إلى الدرجة المطلوبة من الاستعداد للمواجهة وبهذا الصدد يمكن القول أن الصدى الذي ظهر في المواقف التي قدست تحدي وصمود الإمام الحسين (عليه السلام) قد جاء بعد انتهاء معركة كربلاء وما صاحب ذلك الانتهاء من الانتباه لما حدث والسبب لما حدث.
وجاء أفضل مضمون لفهم المرحلة التاريخية التالية حين قام الصحابي الجليل المختار الثقفي بتفجير ثورته ضد الركن الأموي في الكوفة وثأر لحق الإمام الحسين (عليه السلام) وقضى أشجع قضاء ضد قتلة الحسين (عليه السلام) بما في ذلك إرسال رأس العقرب في الكوفة عبيد الله بن زياد هدية إلى الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) بمكة المكرمة حيث صلى الإمام (عليه السلام) ركعتي شكر لله سبحانه وتعالى وهكذا فقد جرّع المختار الثقفي أعداء الله ما استحقوه من عقاب.