قال علي (ع) في وصيته للحسن (ع): إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبّك.. إلى قوله (ع):
واعلم يا بنيّ!.. أنّ أحبّ ما أنت آخذٌ به من وصيتي تقوى الله، والاقتصار على ما افترضه الله عليك، والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك.. فإنهم لم يَدَعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظرٌ، وفكّروا كما أنت مفكّرٌ، ثم ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا، والإمساك عمّا لم يكلّفوا.
فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك، دون أن تعلم كما علموا.. فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم، لا بتورّط الشبهات، وعلوّ الخصومات.. وابدأ قبل نظرك في ذلك، بالاستعانة عليه بإلهك، والرغبة إليه في توفيقك، وترك كل شائبة أولجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة.. فإذا أيقنت أن صفا قلبك فخشع، وتمّ رأيك واجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا ؛ فانظر فيما فسّرت لك.. وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك ؛ فاعلم أنك إنما تخبط العشواء، أو تتورط الظلماء.. وليس طالب الدين من خبط ولا خلط، والإمساك عن ذلك أمثل.
إلى قوله (ع): فإن أشكل عليك شيء من ذلك، فاحمله على جهالتك به، فإنك أول ما خُلقت خُلقت جاهلا ثم عُلّمت.. وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحيّر فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك!.. فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسوّاك، وليكن له تعبّدك، وإليه رغبتك، ومنه شفقتك.. إلى قوله (ع): فإذا أنت هُديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك