ترك الشكوى:
يستحب ترك الشكّوى، فإنّ من فعل ذلك بدل الله لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمّه بشراً خيراً من بشره، وإن أبقاه أبقاه بلا ذنب وإن أماته أماته إلى رحمته، وإنّ من مرض يوماً وليلة فلم يشك إلى عوّاه بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم (عليه السلام) حتّى يجوز على الصراط كالبرق واللامع.
وليس من الشكوى بيان ما فيه من الحمّى والمرض وسهر الليل ونحو ذلك وإنّما الشكوى أن يقول: قد ابتليت ما لم يبتل به أحد، أو أصابني ما لم يصب أحد، أو نحو ذلك.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يقول الله عز وجل: إذا ابتليت عبدي فصبر ولم يشتك على عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه وجلدا خيرا من جلده ودما خيرا من دمه، وإن توفيته توفيته إلى رحمتي، وإن عافيته عافيته ولا ذنب عليه)(47).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنما الشكوى أن يقول الرجل: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو يقول: لقد أصابني ما لم يصب أحدا، وليس الشكوى أن يقول: سهرت البارحة وتحممت اليوم ونحو هذا)(48).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أربعة من كنوز الجنة كتمان الحاجة وكتمان الصدقة وكتمان المرض وكتمان المصيبة)(49).
التمرض من غير علة:
يكره التمرض من غير علة، وقد ذكر صاحب الوسائل (رحمه الله) باب كراهة التمرض من غير علة والتشعث من غير مصيبة(50).
في الحديث: عن أبي الحسن الواسطي عمن ذكره أنه قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): أترى هذا الخلق كلهم من الناس، فقال: (ألق منهم التارك للسواك، والمتربع في الموضع الضيق، والداخل فيما لا يعنيه، والمماري فيما لا علم له به، والمتمرض من غير علة، والمتشعث من غير مصيبة)(51) الحديث.
الدعاء بالعافية:
يستحب للمريض أن يطلب من الله العافية، كما ورد في الأدعية، وقد قال (عليه السلام): (والعافية أحب إلينا)(52).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأى في جسمه بثرة عاذ بالله واستكان له وجار إليه، فيقال له: يا رسول الله أهو بأس، فيقول: (إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه وإذا أراد أن يصغر عظيما صغره)(53).
حسن الظن بالله:
ينبغي للمريض أن يحسن الظنّ بالله، فقد ورد عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه (عليهم السلام) قال: (سأل الصادق (عليه السلام) عن بعض أهل مجلسه، فقيل: عليل، فقصده عائداً وجلس عند رأسه فوجده دنفاً، فقال له: أحسن ظنك بالله، فقال: أما ظني بالله فحسن)(54) الحديث.
وروى الشيخ المفيد (رحمه الله) في أماليه قال: مرض رجل من الأنصار فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله) يعوده فوافقه وهو في الموت، فقال: (كيف تجدك)، قال: أجدني أرجو رحمة ربي وأتخوف من ذنوبي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (ما اجتمعتا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله رجاءه وآمنه مما يخافه)(55).
الصدقة:
يستحب للمريض أن يتصدق كما يستحب أن يتصدق عنه.
عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (داووا مرضاكم بالصدقة)(56).
وعنه (عليه السلام) قال: (الصدقة تدفع البلاء المبرم فداووا مرضاكم بالصدقة)(57).
وعنه (عليه السلام) قال: (الصدقة تدفع ميتة السوء عن صاحبها)(58).
عيادة المريض:
من المستحب عيادة المريض، وهي من حقوق المؤمن على أخيه، وقد ورد أنه بمنزلة عيادة الله عز وجل، وذلك كناية عن تقرب العبد إليه سبحانه وتعالى حينئذ.
وفضل عيادة المريض عظيم، فأيّما مؤمن عاد مؤمناً في الله خاض في الرحمة خوضاً، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف وكّل الله به سبعين ألف من الملائكة يستغفرون له ويسترحمون عليه، ويقولون طبت وطابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غد.
ولا يتأكد استحباب العيادة في وجع العين وفي أقلّ من ثلاثة أيّام بعد العيادة أو يومين وعند طول العلّة.
قال (عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى مناد العبد إلى الله عز وجل فيحاسبه حسابا يسيرا ويقول: يا مؤمن ما منعك أن تعودني حين مرضت، فيقول المؤمن: أنت ربي وأنا عبدك، أنت الحي القيوم الذي لا يصيبك ألم ولا نصب، فيقول عزوجل: من عاد مؤمنا في فقد عادني، ثم يقول له: أتعرف فلان بن فلان، فيقول: نعم يا رب، فيقول له: ما منعك أن تعوده حين مرض أما إنك لو عدته لعدتني ثم لوجدتني به وعنده، ثم لو سألتني حاجة لقضيتها لك ولم أردك عنها)(59).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (من حق المسلم على المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يشيع جنازته)(60).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (أيما مؤمن عاد أخاه في مرضه فإن كان حين يصبح شيعه سبعون ألف ملك، فإذا قعد عنده غمرته الرحمة واستغفروا له حتى يمسي، وإن كان مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح)(61).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (كان فيما ناجى به موسى (عليه السلام) ربه أن قال: يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الأجر، فقال الله عز وجل: أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره)(62).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من زار أخاً له في الله تعالى، أو عاد مريضا نادى مناد من السماء باسمه: يا فلان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلك)(63).
عيادة الكافر:
يجوز عيادة المشرك والكافر ومن أشبه، وربما سبب ذلك هدايتهم، وفي الحديث: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عاد جاراً له يهوديا(64).
إخبار المؤمنين:
يستحب للمريض أن يؤذن إخوانه بمرضه ليعودوه.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه ويؤجر فيهم ويؤجرون فيه، فقيل: نعم هم يؤجرون فيه لمشيهم إليه وهو كيف يؤجر فيهم، فقال: باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات ويحط عنه عشر سيئات)(65).
كما يستحب ذلك لأولياء الميت ليشهد المؤمنون جنازته، قال(عليه السلام): (وينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكسب لهم الأجر ويكسب لميته الاستغفار)(66)
.
الإذن للعيادة:
مسألة: يستحب للمريض أن يأذن للناس بعيادته، فيعودونه فيؤجرون فيه بالعيادة ويؤجر فيهم باكتسابه لهم الحسنات، فيكتب له بذلك الحسنات ويرفع له الدرجات، ويمحى عنه السيئات.
قال أبو الحسن (عليه السلام): (إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه فإنه ليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة)(67).
الهدية للمريض:
يستحب استصحاب العائد هديّة إلى المريض، من فاكهة أو طيب أو بخور أو نحوه، ما لم يكن إهداؤه مضرّاً بالمريض.
عن مولى لجعفر بن محمد (عليه السلام) قال: مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده ونحن عدة من مواليه، فاستقبلنا (عليه السلام) في بعض الطريق فقال: أين تريدون، فقلنا: نريد فلانا نعوده، فقال: قفوا، فوقفنا، قال: مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب أو قطعة من عود، فقلنا: ما معنا من هذا شيء، قال: أما علمتم أن المريض يستريح إلى كل ما أدخل به عليه)(68).
مما يستحب للعائد:
يستحب للعائد أن يدعو للمريض بالصحة والعافية، وأن يخبره بالثواب الذي يناله على مرضه، فقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) عاد سلمان الفارسي (رحمه الله) فلما أراد أن يقوم قال: (يا سلمان كشف الله ضرك وغفر ذنبك وحفظك في دينك وبدنك إلى منتهى أجلك)(69).
وقال (عليه السلام): (إذا دخل أحدكم على أخيه عائدا له فليدع له وليطلب منه الدعاء فإن دعاءه مثل دعاء الملائكة)(70).
وفي أمالي الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن الصادق (عليه السلام) قال: (عاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان الفارسي (رحمه الله) في علته، فقال: يا سلمان إن لك في علتك ثلاث خصال: أنت قريب من الله عز وجل بذكر، ودعاؤك فيه مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى انقضاء أجلك)(71).
وفي نهج البلاغة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لبعض أصحابه في علّة اعتلّها: (جعل اللّه ما كان من شكواك حطّاً لسيّئاتك، فإنّ المرض لا أجر فيه ولكنّه يحطّ السّيّئات ويحتّها حتّ الأوراق..)(72).
وعن ابن سيابة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما أصاب المؤمن من بلاء فبذنب، قال: (لا ولكن ليسمع أنينه وشكواه ودعاؤه الّذي يكتب له بالحسنات وتحطّ عنه السّيّئات وتدخر له يوم القيامة)(73).
من تمام العيادة:
هناك آداب أخرى لعيادة المريض ينبغي مراعاتها، قال النبي (صلى الله عليه وآله): (تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله كيف أنت، كيف أصبحت، وكيف أمسيت، وتمام تحيتكم المصافحة)(74).
وقال (عليه السلام): (من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على يدي المريض أو على جبهته)(75).
وعنه (عليه السلام) أيضا قال: (تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعيه وتعجل القيام من عنده فإن عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه)(76).
تخفيف الجلوس:
يستحب تخفيف جلوس العائد عند المريض إلاّ إذا أحبّ المريض الإطالة وسأل ذلك، فينبغي أن لا يثقل على المريض بتكرار العيادة وكثرة الجلوس، فعن الصادق (عليه السلام) قال: (لا عيادة في وجع العين ولا تكون العيادة في أقل من ثلاثة أيام، فإذا شئت فيوم ويوم لا، أو يوم ويومين لا، وإذا طالت العلة ترك المريض وعياله)(77).
وقال (عليه السلام): (أعظمكم أجرا في العيادة أخفكم جلوسا)(78).
وعنه (صلى الله عليه وآله) قال: (العيادة ثلاثة والتعزية مرة)(79).
وعنه (عليه السلام) قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن من أعظم العباد أجرا عند الله لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس إلا أن يكون المريض يريد ذلك ويحبه ويسأله ذلك)(80).
دعاء المريض:
يستحب للإنسان أن يطلب من المريض أن يدعو له، فإن دعاءه يعدل دعاء الملائكة على ما في الروايات، كما ينبغي توقّي دعائه عليه بترك غيظه وإضجاره، فإنّ دعاءه مستجاب.
عن أبي عبد الله (عليه السلام): (عودوا مرضاكم واسألوهم الدعاء، يعدل دعاء الملائكة، ومن مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة)، قلت له: ما معنى قبولها، قال: (لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد)(81).
وقال (عليه السلام): (إذا دخل أحدكم على أخيه عائدا له فليدع له وليطلب منه الدعاء فإن دعاءه مثل دعاء الملائكة)(82).
وقال (عليه السلام): (من عاد مريضا في الله لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا استجاب الله له)