وهو: مطابقة القول للواقع، وهو أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخلقية، لخصائصه الجليلة، آثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع.
فهو زينة الحديث ورواؤه، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة، لذلك مجدته الشريعة الإسلامية، وحرضت عليه، قرآنا وسنة.
قال تعالى: ((والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون، لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين)) (الزمر 33 ـ34) وقال تعالى: ((هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا)). (المائدة:119).
وقال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقو الله، وكونوا مع الصادقين)). (التوبة: 119).
وهكذا كرم أهل البيت عليهم السلام هذا الخلق الرفيع، ودعوا إليه بأساليبهم البليغة الحكيمة:
قال الصادق (عليه السلام): (لا تغتروا بصلاتهم، ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن عند صدق الحديث، وأداء لأمانة) (1الكافي).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ( زينة الحديث الصدق)(2الإمامة والتبصرة).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إلزموا الصدق فإنه منجاة)(3كمال الدين للصدوق).
وقال الصادق (عليه السلام): ( من صدق لسانه زكى عمله)(4الكافي).أي صار عمله ببركة الصدق زاكيا ناميا في الثواب، لأن الله تعالى (إنما يتقبل من المتقين) والصدق من أبرز خصائص التقوى وأهم شرائطه.
مآثر الصدق
من ضرورات الحياة الاجتماعية، ومقوماتها الأصلية هي:
شيوع التفاهم والتآزر بين عناصر المجتمع وأفراده، ليستطيعوا بذلك النهوض بأعباء الحياة، وتحقيق غاياتها وأهدافها، ومن ثم ليسعدوا بحياة كريمة هانئة، وتعايش سلمي.
وتلك غايات سامية، لا تتحقق إلا بالتفاهم الصحيح، والتعاون الوثيق،وتبادل الثقة والائتمان بيم ألئك الأفراد.
وبديهي أن اللسان هو أداة التفاهم، ومنطلق المعاني والأفكار، والترجمان المفسر عما يدور في خلد الناس من مختلف المفاهيم والغايات، فهو يلعب دورا خطيرا في حياة المجتمع، وتجاوب مشاعره وأفكاره.
وعلى صدقه أو كذبه ترتكز سعادة المجتمع أو شقاؤه، فإن كان اللسان صادق اللهجة، أمينا في ترجمة خوالج النفس وأغراضها، أدى رسالة التفاهم والتواثق، وكان رائد خير، ورسول محبة وسلام.
وإن كان متصفا بالخداع والتزوير، وخيانة الترجمة والإعراب، غدا رائد شر، ومدعاة تناكر وتباغض بين أفراد المجتمع، ومعول هدم في كيانه.
من أجل ذلك كان الصدق من ضرورات المجتمع، وحاجاته الملحة، وكانت له آثاره وانعكاساته في حياة المجتمع.
فهو نظام عقد المجتمع السعيد، ورمز خلقه الرفيع، ودليل استقامة أفراده ونبلهم، والباعث القوي على طيب السمعة، وحسن الثناء والتقدير، وكسب الثقة والائتمان من الناس.
كما له آثاره ومعطياته في توفير الوقت الثمين، وكسب الراحة الجسمية والنفسية.
فإذا صدق المتبايعون في مبايعاتهم، ارتاحوا جميعا من عناء المماكسة،وضياع الوقت الثمين في نشدان الواقع، وتحري الصدق.
وإذا تواطأ أرباب الأعمال والوظائف على التزام الصدق، كان ذلك ضمانا لصيانة حقوق الناس، واستتاب أمنهم ورخائهم.
إذا تحلى كافة الناس بالصدق، ودرجوا عليه، أحرزوا منافعه الجمة، ومغانمه الجليلة.
وإذا شاع الكذب في المجتمع، وهت قينه الأخلاقية، وساد التبرم والسخط بين أفراده، وعز فيه التفاهم والتعاون، وغدا عرضة للتبعثر والانهيار